إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
113416 مشاهدة print word pdf
line-top
بيان القول في القرآن

بعد ذلك تكلم على القرآن قال:
والقــول في كتـابـه المفصــل
بأنـــه كلامـــه الـمـــنزل
على الرسول المصطفى خير الـورى
ليس بمخلــوق ولا بمفــــترى
يحفـظ بـالقلـب وباللســـــان
يتلــى كمــا يسمـع بـــالأذان
كذا بـالأبصــار إليـه ينظــــر
وبالآيــات خطــــه يسطـــر
وكل ذي مخلوقـــة حقيقــــة
دون كــلام بــارئ الخليـقـــة
ما تكلم في هذه الأبيات على القرآن؛ وذلك لأنه قد طال كلام العلماء في تفصيل ذلك، وناقشوا بذلك المعتزلة الذين يقولون: إن الله لا يتكلم، فلما جاء هذا القرآن قالوا: إنه مخلوق خلقه كما خلق غيره من المخلوقات، فجعلوه مخلوقا، فأنكر عليهم أئمة السلف.
وأول من أنكر صفة الكلام الجعد بن درهم الذي قتله خالد القسري في يوم عيد الأضحى، وقال: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم؛ فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى تكليما، -تعالى- الله عما يقول الجعد ثم نزل وذبحه، ومدحه ابن القيم في النونية، حيث يقول:
ولأجل ذا ضحــى بـجـعــــد
خالد القسـري يوم ذبائـح القربـان
إذ قال إبـراهيـم ليـس خليلـــه
كلا ولا مـوســى الكليم الـدانـي
شكـر الضحيـة كل صاحب سنــة
لله درك مـن أخــي قـربـــان
فلما قالوا: إن الله -تعالى- لا يتكلم لم يجدوا بدا في القرآن من أن يقولوا: إنه مخلوق، ثم قال ذلك الجهم بن صفوان ثم قاله بعده بشر المريسي ثم قاله بعده أحمد بن أبي دؤاد ثم إن ابن أبي دؤاد صار مقربا عند الخليفة المأمون فزين له هذه العقيدة حتى رسخت في قلب المأمون أحد خلفاء بني العباس، ثم زين له أن يَمتحن الناس، وأن يُكرههم على أن يقولوا: إن القرآن مخلوق؛ فامتحن الناس، وأُوذوا، وسُجنوا، وقُتل بعضهم.
وكان من أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - وذلك لأن له مكانة في النفوس، وكان الناس يترقبون ما يقوله، فلما كان كذلك قال له بعض من حوله: أجبهم وأنت مكره، فامتنع وأصر وصبر، ولكن مات المأمون قبل أن يؤتى بالإمام أحمد وتقلد هذه المقالة بعده أخوه المعتصم وهو الذي تولى تعذيب الإمام أحمد وجلده جلدا شديدا، حتى كاد أن يموت من شدة الجلد، وسجن وأطيل سجنه، ولكن مع ذلك كان يَجمع له علماء المعتزلة فيأتون بحجة فيبطلها، ويأتيهم بعشر حجج فلا يقدرون على الرد عليه، حتى أظهره الله -تعالى- وأظهر الحق في خلافة المتوكل .
والحاصل: أن فتنة القول بخلق القرآن فتنة عظيمة، وقعت بسببها مصائب على الأمة، ولا يزال المعتزلة وعلى طريقتهم الآن الرافضة الموجودون في المملكة وعلى طريقتهم أيضا الإباضية الموجودون في عمان فإن هذا معتقدهم؛ أن القرآن مخلوق، وأنه ليس كلام الله، وأن الله تعالى لا يتكلم، قد ذكرنا لكم بالأمس أن مفتي أهل عمان الذي يقال له أحمد الخليلي ألف كتابا، سماه باسم يريد به أن يشتهر ( الحق الدامغ )؛ مع أنه باطل متهافت، وضمنه كما ذكرنا ثلاث مسائل: إنكار الرؤية، وإنكار أن القرآن كلام الله، وإنكار قدرة الله -تعالى- على أفعال العباد، يقول:
والقول فـي كتـابــه المفصــل
بأنـه كـلامــــه الـمـــنزل
كما صرح بذلك في قول الله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ لم يقل: خلق الله، وقال -تعالى- في سورة التوبة: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ لم يقل: حتى يسمع ما خلقه، وقال -تعالى- في سورة الفتح: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فجمع في هذه الآية بين كونه كلاما وقولا، وكذلك قول الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ونحو ذلك من الأدلة، وكذلك ذكر أن الله -تعالى- له كلام، وأنه يتكلم كما في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا وغير ذلك من الآيات.
فالقرآن كلامه منزل، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لم يقل: خلق رب العالمين، قال بعض العلماء: إن الله ذكر الإنسان في القرآن سبعة عشر مرة، صرح فيها بأنه خلقه وبأنه مخلوق، وذكر القرآن في نحو خمسين موضعا أو أكثر، ولم يذكر أنه خلقه، من ذلك قول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ آيتين متتاليتين عَلَّمَ الْقُرْآنَ ما قال: خلق القرآن.
فالحاصل: أن القرآن كلام الله وليس بمخلوق، وللذين يقولون إنه مخلوق شبهات، بينها العلماء - رحمهم الله - ناقش بعضها ابن أبي العز في شرح الطحاوية وغيره.
والقول فـي كتـابــه المفصــل
بأنــه كـلامـــه الـمـــنزل
على الرسول المصطفى خير الـورى
ليس بمخلــوق ولا بمفــــترى
منزل على الرسول قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ والتنزيل مذكور في كثير من الآيات، قال تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ صرح بأنه تنزيل من الله، ولم يقل: خلق الله.
( منزل على الرسول المصطفى خير الورى ) المصطفى: من صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه خير الورى، ثم قال: ( ليس بمخلوق ) يعني: ننزهه أن يكون مخلوقا؛ فإنه من كلام الله -تعالى- ومن علمه، وكل ما هو من علمه فإنه ليس بمخلوق، ( ولا بمفترى ) ردا على المشركين الذين يقولون: افتراه، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وقالوا: إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ فكذبهم الله -تعالى- وأخبر بأنه ليس بمفترى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا .

line-bottom